Wednesday, June 07, 2006

ثقافة وجدان و ذاكرة

* في الصف الرابع الابتدائي، و كنا بين العاشرة و الحادية عشر من العمر، اعتاد استاذ اللغة العربية في حصص الإنشاء و المكتبة، ان يتحفنا بقراءات من الأدب العالمي. في ذلك الوقت المبكر تعرفنا علي اوسكار وايلد. و كانت صورة "دوريان جراي" ترسم امامنا آفاقا في العرض او السرد الروائي، بطريق تلجم ألسنتنا و احبس أنفاسنا فترات و فترات. و كانت تداعيات الأحداث و سردها يتبعنا حتي منازلنا، فنستعيد لذة المتابعة في الطريق او في الليالي القمرية، و نحن ننهي او نستريح بين ألعاب "شليل" و "الفات الفات" و "يا كديسة سكي الفار" و هكذا.

* و في تلك السنة، و الفضل لاستاذ اللغة العربية هذا، و حيث لم تكن مثل هذه الروايات ضمن المنهج التربوي، في تلك السن تشبعت الذاكرة بحلاوة السرد، و تذاعيات الأحداث، و جماليات لغة الترجمة، و جماليات الصور، و سلاسة الوصف.

* و لم يغب عن بالنا لا البير كامو و لا جوته، لا المنفلوطي و لا سارتر. و كنا نعجب لهذا الشاب الوسيم الذي اتسمت اعماله بالقبح حتي ظهرت صورته علي المرآة قبيحة امامه، فخاف علي صورته و أراد تحطيم هذا القبح فقضي علي نفسه.

* و كنا نعجب لتلك الصخرة التي – و كنا وقتها معجبين أيضا بأفلام هرقل التي تعرض في السينما – تمثل أسطورة الصعود
لوضعها في قمة الجبل، فتنزلق الي القاع، فيعود البطل ليحملها مجددا الي القمة و هكذا.

* و كنا نعجب لتلك " الفضيلة" التي كانت تجعل دموعنا تسيل مدرارا في حضرة استاذ اللغة العربية، و الذي كان ينبهر في قراءته حتي لنكاد نري دموعه تقفز بغتة.

* و هكذا علقت بأذهاننا تداعيات و صور و سلاسة و بناء نفسي للشخصيات، حتي بدأ اكثرنا يجرب الكتابة علي هذا النحو، و يستزيد من القراءات الخاصة و ينوعها بالروايات العالمية و سلسلة أولادنا و ارسين لوبين و شرلوك هولمز، حتي استقام لنا بناء معرفي و لغوي زادته الأيام لأكثرنا منعة منذ ذلك الوقت، مما جعلنا نتنافس في القراءة و الكتابة و النقاش، حتي وجدنا بعد قليل ألقابا يطلقها علينا أستاذ اللغة العربية، فهذا هتلر و ذاك السفسطائي و آخر برنارد أو جورج و هكذا.

* و بعد سنة تماما، كان بيننا من يكتب أفضل قصة قصيرة، من مجموعة أندادنا في ذلك العمر. و كان بيننا من تم ترشيحه من جانب أستاذ اللغة العربية ذاك ليكون كاتبا موسوما بحلاوة اللغة، و توالد الأفكار و تداعيها، في اطار منطق الترابط العضوي بين سلاسة الفكرة و سلاسة لغتها، و لم يخب ترشيح أو ظن الأستاذ.

* لبناء لغة و ثقافة نموذجية، يكون مفيدا، إتخاذ هذا المنهج – القراءة و الاستماع و المكتبة – مبكرا في مراحل الدراسة الأولي هنا، رغم انه في ذلك الزمن القديم، و هناك عبر الحدود، لم يكن ذلك ضمن المنهج، انما كان إجتهادا فرديا من أستاذ لغة عربية، بني به مستقبلا أدبيا جيدا. و هنا يمكن الاستفادة من هذه التجربة في المراحل الأولي من المدرسة، لبناء وجدان و ذاكرة بثقافة وطنية و ثقافة عالمية تختار من عيون الأدب العالمي، و تبني لنا شخصية سوية غير معرضة للإنفصام، و تبقي متينة علي مر الأجيال.

هذا المقال من عمود صحفي ثابت كان يكتبه خالد عثمان في جريدة "النبض" الناطقة بإسم اتحاد الشباب و الطلاب الارتري في اوائل التسعينات.
________________________

Oscar Wilde: Dorian Gray
Jean-Paul Sartre: Le Mur / Intimacy, the Prisoners of Altona
Simone de Beauvoir :
Albert Camus – Caligula – L Étranger / the Stranger –
Johann Wolfgang von Goethe - Faust

No comments:

Post a Comment

Please do not abuse comments. I will delete any abuse and ban the abuser. Be nice and do not post irrelevant content. This is not a just me too blog. Thank YOU.

Social Bookmarks