Sunday, May 28, 2006

Gavin Jantjes!


إيقاع العنف في مدينة عنصرية

ولد قافن جانتيس في مدينة الكاب في 1948م و نشأ وسط عائلة تكره النزق العنصري الابيض الذي غرسه البيض في الأرض البكر. ترعرع جانتيس في جو ملئ بالحركة و العنف وسط ضربات المعاول الأولي في الأرض البكر لرجال سود يشقون للشمس مجري في الأرض تجري فيه المياه و ينهض فيه القوت...

درس جانتيس الفنون التشكيلية و كون علاقته الخاصة مع الجرافيك في مدرسة مايكل للفنون الجميلة، جامعة الكاب و ظهرت لوحاته في مرحلته الدراسية تلك ووجدت إقبالا فهو يرسم التعب العصري و الإرهاق العنصري الذي جسده الصلف الابيض في جنوب افريقيا

عرضت اعماله في جنوب افريقيا و اوروبا ووجدت إقبالا. بمعانيه و خطوطه القريبة من ألوان الطبيعة و أسلوبه المجازي قدم جانتيس صورتين من صور نضال الشعب الجنوبي، إحداهما تتعلق بالبناء و التشييد و الاخري تختص بالنضال من اجل الحرية

و يشع العنف في تلك اللوحات من شخصياته التي يجسدها. و يقول جانتيس نفسه عن ذلك: انني لست شخصا عنيفا، لكن حالة المحيط و المجتمع الذي استقي منه موضوعاتي ينبثق منه العنف في جميع اشكاله السياسية و البوليسية

في المرحلة -التأملية- برزت التحديات و المجابهات بين العمال و المفكرين السود من ناحية و البيض الأقلية الذين وضعوا اسس تلك المرحلة العنصرية في جنوب افريقيا. و كل من الفيئتين أعيد تقديمه و تقييمه بوضعية اعماله المميزة و حياته. لقد صنف جانتيس المجموعات الفنية كل حسب شخصياتها المنفصلة و عبر عن ذلك بقوله: بالنظرة العميقة في المطروح نستطيع ان نلمح ان تغيير العنصرية السياسية سيأتي فقط من خلال جذور العنف. وأضاف: تأريخيا نعلم ان الرأسمالية هي العنف. عنف بلا احترام للإنسانية... و جنوب افريقيا امتداد لذلك البناء حيث لا توجد صيغة سليمة يمكن ان تبشر بتغيير حقيقي للبناء السياسي

و بذلك يقدم قافن جانتيس من خلال رسوماته و نقده اطروحة جديدة للفن الافريقي الجنوبي
___________________

الخميس 29 ابريل 1982م – صفحة فنون – جريدة الهدف الكويتية –
Thursday, 29 April 1982. Al-Hadaf Kuwaiti Newspaper. Fine Art.
___________________

Gavin Jantjes was born on 1948 and completed his studies at Michaels School of Fine Art in Cape Town in 1969, University of Cape Town, and the Hochschule für bildende Künste in Hamburg, where he received his MA degree in 1972. He used his art against the apartheid policy in South Africa, during De Clark's and the white minority reign. He settled in Britain in 1982 and he's living in Oslo, where he works as a artistic director of the Henie-Ostand Kunstsenter since 1998.

Saturday, May 20, 2006

الخروج، البشارة، القربان


العودة الي البدء في الخروج، البشارة، القربان
للشاعر السوداني محمد المهدي المجذوب

ترتبط الحركة الشعرية في السودان بالمستويات الثقافية في الداخل، هذه المستويات التي تتحكم فيها عوامل الاتصال الثقافي و مدي ما يتاح له من مجال. و لقد كان في الغالب جانب التأثر بمصر بحكم هذا الاتصال القديم سواء انتج ذلك عن كتب الأدب العربي أو المترجمات بعد ظهور حركة الترجمة في أعقاب حملة نابليون علي مصر 1798م. و تبلور هذا التأثر بعد فترة تم فيها استيعاب الإفراز الثقافي لحملة نابليون... تابع القراءة في الموقع التالي المتخصص في جانب الشعر و الشعراء السودانيين الذي بدأته بكم وافر من نتاجات الشاعر الزميل و الصديق الراحل محمد عثمان محمد صالح كجراي...هنا
http://sudanese-poets.blogspot.com
_________________________________

Sunday, May 14, 2006

البرواز


و ... تسربت من بين أصابعي
علي السفح هشت نخلة. طارت حمامة. حطت داخل الدار القريبة. مشت الي سرب الحمام، بالتقريب الي ذكر معين ميزته بصوته. له هديل مميز...
اقتربت من عنقي، لمست عليه بشفتيها. الفانوس يرمي ضوءا شاحبا علينا. توزع الدخان و ترك بقايا سوداء في شكل اصابع علي زجاجته. لمست "العنقريب" باصابعي اليسري. مشت الاصابع علي حباله المهترئة من جانبه الاوسط. لم اجرؤ علي الجلوس خوف انقطاع الحبل. ابتعدت شفتاها. غاب وطن و حضر وطن. في الداخل يرسم الفانوس صورا شاحبة مهزوزة. متي تثبت الصور؟... عادت انفاسها من جديد. اشعر برغبة حميمة و تشويش و بقايا وطن مكسور.. عبثت يداها بالقميص. طعنت صدري نجمتان. فردت الحمامة ذيلها. طار زنبور من احدي الاركان. حلق حول الخلية ثم حط عليها. همست في اذني: الليل بارد و صامت
- الليل موحش، و أشد وحشة هذا الذي يداخلني
قالت لي في مرة سابقة: لو جئت دارنا لوجدت القمح و اللبن ساخنا
حاولت ان افهم هذا الذي يداخلني...
سارت الي جانبي صامتة. انتحينا مكانا قصيا. سوينا مجلسا و جلسنا. لم أدرك ان شيئا مثل هذا يمكن ان يفسح لتساؤل دائم. كنت قريبا جدا من المدارين و كانت فصول العشق تتحول داخلي الي سنابل في كل سنبلة مائة حبة. الا انني رأيت فيما يري النائم طيرا يملأ الفضاء. فاجأها صوت محموم خرج من داخلي: - بين حبك السنابل و المطر و الرجال
أحسست شيئا غائما يحاول ان يتشكل. تتساقط الاضواء نتفا تفتح في الداخل نفس الدوار. اشياء تحاول ان تتشبث بداخلي و اشياء توشك علي السقوط. قالت لي في مرة سابقة:- تعال الي دارنا، اغسل قدميك من طين الحقل و اجهز لك الحصير و البن
فاجأتني الاصوات تخرج من الأزقة و بيوت الطين و مرابع المدن تحاصرني، تطعن داخلي. قطعة الارض تبدو صغيرة و المحصول لا يكفي. جزء يأكله الطير و جزء يتراكم في مخازن التجار و الجزء الآخر للسابلة و المصابين بالفقر. أمشي علي الطريق ألعن. يطوقني "الجندب"، يحبس أنفاسي. أمد يدي. أفرد صدري. أصاب بالظمأ. يضربني "الجندب" ثم يبتعد. يضربني ثم يبتعد. أحس بإجهاد تام. تخرج من مكان ما تمد لي يدا. تقول:- هذا يصيبك لأنك لا تصبر عليه...
أري في عينيها وعدا ما...
- ألا تكف أبدا عن الانتفاض؟...
أري في عينيها وطنا مكسورا...
- يكفي الذي راح...
أري في عينيها ما لا أراه...
أصيح:- كفي...
تنحدر دموع ما لشئ ما...
حين بدأ الزمن يعتاد علي الجفاف كنت اتناول البلح الذي تجلبه من بستان جدها علي النيل. كان البلح يقع قبل ان تمتد اليه يد معروقة.. كنا نري السواعد القوية تسافر بعيدا ثم تعود بالحرير.. بعضها لا يعود أبدا.. تتدافع الدموع تبلل ساعدي.. تقول:- العمر يذهب. "الجندب" يكاد يقضي عليك. تعال إلينا تجد قمحا...
أضحك في مرارة..قمح؟!.. الباقي من مخزون الأعوام الماضية!.. لعل حشرات الأرض قد فعلت فعلها...
تتعلق عيناي بكتفيها. أحس بليل الجوع تنسكب فيه النيران ثم تنثقب عليه السماء... ألامسها. يدور المكان حولي دورتين. تموء قطة تتمسح بالواقفين. تتلاصق الأعضاء. أري شفتيها بين البحر و النيل تدندنان لحنا "للمريود". تتلامس الشفاه. أحس وطنا يبكي و وطنا تتقطع أنفاسه...
أقول:- أحبك و لا أقدر عليك...
تقول:- أنت تأخذني بجامع وجداني و جسدي...
و... تلتحم القصيدة
تسألني:- لماذا لا تذهب؟
أجيب:- ربما لا أعود...
تقول:- كثيرون يعودون بالحرير...
أقول:- و كثيرون ينفقون من العطش تماما كضواري الصحراء...
تسأل:- لماذا تتشاءم؟
أهمس:- لأنني أحبك...
و تلجمها الكلمات المتلاحقة... بيني و بين حبيبتي وطن مكسور... اتحامق كالأطفال. أثور. أكسر الأواني. أقذفها نحو الحائط ثم اتجمع بين أحضانها...
أهمس بصوت لا يقوي علي ان يفارق صاحبه الصبر:- كيف انكسر البرواز و النجار يصنع لصورتك الإطار؟...
تترقرق الدموع في عينيها... أقشعر. يداهمني حزن عميق. انفلت من بين أحضانها. أهرول... تسألني بصوت مرتجف:- أين تذهب؟...
أصيح ردا علي سؤالها:- لابد ان أعلم هذا النجار الغبي الطريقة المثلي لعمل البراويز
_____________________

هامش: "العنقريب" كلمة في المحلية السودانية تعني: مرقد من الحبال
"الجندب" نوع من الصراصير لونها "خاكي" كلون ملابس الجنود
"للمريود" للمحبوب
_____________________

Saturday, May 13, 2006

العشق زمن البرتقال و السحب الأليفة


تمتد المسافة...
يتمدد الهواء، الشجر، الزمن...
لا زالت تقف، عين علي شئ بالداخل يكاد ينفجر و عين علي الرصد...
السيارات تبتلع الطريق، الطريق يبتلع السيارات...
يقل المشاة هذا الزمن و الشمس تختنق و بقايا ضباب...
تشير الي سيارة، لا تقف...
تقف سيارة أخري. تنطفئ إشارتها و تشتعل...
تتحرك نحوها وئيدة و كأنها لا تريد ان تتحرك...
لكن الثلج يسري، الشمس تختنق و بقايا ضباب...
ماذا قالت للسائق؟ لا ريب انها طلبت ان ينقلها مشوارا محددا لكنها لم تسمع صوتها يتحدث...
يبدو انها لم توافق علي المبلغ الذي طلبه السائق الا انها لم تعرف كم طلب بالتحديد...
ضحك السائق بوقاحة، ثم غمز بعينه و قال و هو يفتعل الظرف : هيا اركبي...
و لم تتحرك. الشمس تختنق. الثلج يسري و بقايا ضباب...
نقطة ثم اتسعت...
نقطة أخري تتسع و أخري...
نقطة داخل نقطة تتسع دوائر الماء تنفجر...
يبدو وسيما. هيا اركبي. تمتطي سحابة، عارية إلا من قطرات الماء تتساقط. تنفرض كحبات عقد علي عريها و تنزلق حتي أخاديد ذلك الكائن النوري المعلق بين الفخذين.
هيا اركبي، تذكرها الأيام الموؤدة...
تتحرك الي الخلف. تحدق نحو الفتي. تتسع ابتسامته. يبدو شاربه كالشوك. فجأة تنكمش أعضاؤها. تتسع ابتسامته. تصطدم بالمظلة علي الرصيف. تشير إليه بأن يتحرك، الا انها لم تر يدها تشير و لم تحسها تتحرك...
تنطلق السيارة و تنطلق من الفتي لفظة بذيئة...
تتغلغل اللفظة داخلها. نقطة داخل نقطة تتسع دوائر الماء. تتغلغل اللفظة داخلها...
أعضاؤها المنكمشة تتفرد. تتنهد بعمق...
كأن قطرات الماء المنفرضة قد سقطت علي صحرائها...
تقف سيارة أخري. تبتدئ لعبة الإشارت البرتقال. تفتح جوعا. تحب البرتقال. يذكرها بيوسف. تمتد يده بالبرتقالة. تقطفها من يده قطفا. تعدو. يعدو خلفها...
يلحقها. تمتد يده، يدا تسابق يدا...
يقعان...
تنعصر البرتقالة بينهما. تنسكب...
البرتقالة تصير عجينا...
نزلت السماء القطيفة و تسيب البرد...
تدخل الإشارات البرتقال دائرة البصر. تلمح السائق بطرف عين. يضع علي رأسه دائرتين سوداوين. يبتسم. تشم رائحة شواء في الخلاء. تتطاحن داخلها صور تتمرد. تتصارع. تمزق بعضها بعضا...
يتودد السائق بلطف شديد. انها تسمع تماما هذه المرة...
لكن يوسف لم يقل وهي لم تطلب شيئا...
كان والدها يخطب في المصلين و يذكرهم – من استطاع الباءة فليتزوج – لكن يوسف لم يطرق الباب بعد. ربما كان أكبر سنا و ربما له اولاد مثله. لكن لم يكن ذلك ليهم أحدا بالطبع سواها.
كان يلتقيان. يمضيان قدحا من الليل سويا أو لا يمضيانه. لكنها لم تكن تطلب شيئا...
ثم إذ هي تتلامس داخلها. تصاحب أفكارا حميمة. تتلاصق. تتكون...
كل شئ بدأ يتخذ طابعا رتيبا كأنه محسوب رغم انهما لم يحسبان شيئا...
الإشارات البرتقال. انتبهت. هاهو يزيح الدائرتين السوداوين و لا يريد ان يتحرك...
السيارات تمر تباعا تبتلع الطريق يبتلعها الطريق، تبتلع الداخل و يبتلعها الداخل.. يتسلل اليها البرد...
لابد ان تذهب إذن إذا أرادت ان تصل. ستجده منتظرا كعادته و ستقول له بهدوء تام – يوسف، أريد ان أذهب و ليكن ذهابي بلا عودة...
لماذا تنتهي الأشياء الجميلة هكذا بصورة تامة و حزينة؟.. لقد اقتنعت بهذه الفكرة لأنها لم تكن مقتنعة بها من قبل...
كانت تحافظ علي ذكرياتها و الأمكنة. و يشدها الحنان الي الطريق الذي مشت به في الأيام الخوالي و الي الركن الذي جلست به و الي الحلواني الذي تناولت عنده الايس كريم و.. أعواد الثقاب. حتي أعواد الثقاب التي كان يشعل بها سجائره تحتفظ بها في مكان ما داخل صندوق بداخل صندوق. عيدان تحمل بارودا محترقا...
تتآكل داخلها الأيام الذهبية...
أعماقها تهتز، توشك علي البكاء...
أجل لابد ان تعلن عن أشياء كثيرة. لا يهم.. كل شئ عاد لا يهم...
صاحب العصابة يفتح باب السيارة. يغازلها. يدعوها. تتجهم في وجهه و تردد لعنة هي نفسها لم تسمعها. خيل اليها انها تلعن. يغلق باب السيارة و هو يغمز ثم يولي الأدبار...
أوقفت سيارة. فتحت الباب. أعطت السائق العنوان ثم همست: لابد ان اقرر شيئا و لو لمرة واحدة...
سألها السائق: ماذا؟...
شعرت بانها تحدثت بصوت مسموع. ارتفعت يد السائق نحو المرآة. انعكست الصورة...
ستجد يوسف. لم يحدث ان تأخر عن موعد ابدا. و ستقول، طالما كانت تريد ذلك. كل شئ كان يتم بعفوية، بلا حسبان...
وقفت قليلا ثم دخلت. لم تجد أحدا...
اليوم فتحت الصندوق. أخرجت منه صندوقا. فتحته. نظرت الي الثقاب. ألقتها ثم مسحت دموع تجمعت علي عينيها...
يوسف، يوسف...
الشمس تختنق. الثلج يسري. و بقايا ضباب...
تخرج. تقف لحظة بالخارج ثم تخطو خطوة. تقف ثم تخطو خطوتين. تراه في مرمي البصر مقبلا يعدو ناصعا كالأيام الذهبية.. تقف: يوسف، يوسف...
تنطلق مع البرد و النقاط التي تتسع. تتسع دوائر الماء. تنفجر...
عارية إلا من حزنها...
قطرات الماء تتساقط. تنفرض كحبات عقد علي عريها. الشمس تلتهم السحب. تلتهمها السحب. تدور المعركة و تنثقب السماء...
تحس نفسها و قد غدت عملاقة. اتسعت. احتوت كل المسافة حولها ثم ولدت طفلها علي عينيها و تمددت بحجم الأزمنة.
____________________________

هامش: جريدة الهدف. ملحق الهدف الثقافي. اثناء امتلاك جريدة الوطن الكويتية لهذه الجريدة و قبل بيعها لجريدة السياسة الكويتية. 25 ديسمبر 1980م . من مجموعة "ايقاعات الساعة صفر" التي صدرت للكاتب عام 1983م
_________________________

El-hadaf. Alwatan Kuwaiti newspaper. Arabic short story.

Reporters from the Horn of Africa wanted to freelance HOA.If you're a journalist with min. 6 years experiences you're welcome to join our team.Please use the suitable form at the link beyond the headline above.

Friday, May 12, 2006

مدام مانديلا و صمود المرأة الأبدي


هناك نوعية من النساء تمتاز بقدر عال من الجاذبية الشخصية او الذاتية. شخصيات يشعر المرء امامهن بالاحترام الكبير و الألق الدائم و الاشراق الصفوي و العفوية التي تفرض نفسها علي وجوده. و هو هنا يعشقهن عشقا بريئا بعيدا عن الابتداع الذاتي، قريبا من لحظات اكتشافك ان شخصا آخر هو انت... او قول او تعبير لشخص آخر هو تعبيرك انت او امتداد له... حياة انسان آخر هي حياتك انت... او نضاله هو نضالك انت الي آخره

هذه الحقيقة... أصدق من تعيشها من اولئك النساء هي ويني مانديلا - و آخريات يشاركن مد هذا الوعي الإجتماعي و السياسي بالضرورة – لكننا نصطفي مدام مانديلا لأنها اكثر النساء معاناة. فهي و منذ 1958م ماتزال تنتظر ان يستلهم الشعب الجنوبي كفاح زوجها المناضل نلسون مانديلا – تلك الومضات من النضال التي بكرت في الاتصال بها مما جعلها تقود نضال زوجها ضد الاقلية البيضاء في بريتوريا. و رغم العذابات التي عاشتها، بدءا من الحرمان من زوجها و عائلتها و اصدقائها الي وضعها في الحجز و تعذيبها ثم اطلاق سراحها، و وضعها في اللائحة السوداء، و اعتبارا لكونها لم تعش حياتها الزوجية كما تعيشها معظم المتزوجات و لم تتمتع بتلك الحياة مثلهن، و اعتبارا لصبرها المتعاظم و املها في ملاقاة زوجها المحتجز أطلق عليها لقب " الارملة الصبورة"

و تقوم الآن حملة واسعة تطالب بإطلاق سراح رئيس المؤتمر الوطني الافريقي و الذي قضي الفترة الاولي من سجنه في سجون مجهولة ثم نقل أخيرا الي سجن "روبن آيلاند". و تركزت تلك الحملات بشكل خاص في صحيفة "جون افريك" . و ما زالت الزوجة الصبورة في اقامتها الجبرية تنتظر ان يتناول احرار العالم مبادرة المطالبة بإطلاق سراح زوجها الذي قارب السبعينات من عمره وذلك مثلما تذكر المصادر الاعلامية لسبب بسيط جدا هو ان من النادر وصول الافارقة الي هذا العمر ، خاصة اولئك الذين يعذبون و يستنزفون في السجون. لهذا فان إطلاق سراح نلسون مانديلا يبدو سببا وجيها لان يعيش الرجل ما تبقي من عمره وسط افراد اسرته المنتظرة لاكثر من عشرين عاما

و رغم هذا الامل الذي يراودها فان "تفاحة افريقيا" المنتظرة تعلن ان نظام الاقلية البيضاء الذي جعل من السجن موتا بطيئا للمناضلين و الذي قام بتصفية المناضل ستيف بيكو لن يكون رحيما هذه المرة من اجل زوجها اذ كيف تطلب او ترجو الرحمة ممن لا رحمة له؟

هذه المرأة النموذج الفريد ما زالت تقول ان اقل شئ يمكن ان تهبه امرأة لزوج مناضل هو انتظاره في المنفي و النضال من اجله لانه بحد ذاته وطن غائب

و نحن نقترب من اليوم العالمي لمحاربة و استئصال التفرقة العنصرية اقل ما نفعله هو ان نحيي هذه المرأة و نضم صوتنا الي صوت الحريات القادمة
___________

جريدة الوطن الكويتية – صفحة الأسرة و المجتمع – 20 مارس 1983م
Watan Newspaper- Kuwaiti newspaper- Family and Society – Weini Mandela – Nelson Mandela – John Afrique – John Afric – Release of Nelson Mandela campaigns – The White Minority – The apartheid – South Africa – Cape Town – South African political freedom fighters - Steve Picko – Steven Picko – Stephen Bicko – Steve Pico - Robben Island prison – Robin Island -

Thursday, May 11, 2006

عايـدة


- ستة و عشرون عاما و لم استرح يوما...
- صه أيها البرجوازي الصغير...
كان الكون يلوك ثدي الأهوال و ينام علي الوهم... تأوه و نظر الي المدينة. بدأت المدينة دائرة مسافرة الي المجهول، تنام بعين واحدة و شفاهها ترتعش. تصطفق الطرقات و تنفتح علي هوة لا قرار لها و... السابلة
أواه يا سابلة المدينة! غمغم و جذب نفسا عميقا من لفافته حتي توهج طرفها. أضواء النيون أمامه تختفي و تظهر بإيقاع مختلف. تضئ و تموت باستمرار. كفأ وجهه علي راحة يده و حدق. برزت من خلال دائرة الضوء.
- أعبدك يا عابدة! نظرت إليه مبتسمة و اقتربت و... عشعشت موسيقي (السامبا) في الاعصاب. عندما سرت الحرارة و توهجت جموع الراقصين انفجرت الي (جاز) ملتهب. أحس بروعة الإلتهاب. بدأت الخرطوم من أسفله طفلة مرصعة بالذهب و اللآلئ. فعلت فيه فعلا ساحرا فأنثني مع الإيقاع الصاخب و... تحولت الصالة الي مأوي للقطط. شعر بالدم الحار...
- أعبدك يا عايدة. سعل... أحس بالخوف المفاجئ يتخذ شكلا و هو يتأبط الرؤيا القديمة. عري جسدها السنديان. جاءت جموع الرياح الحارة. النار تندلع داخله. حين حاول الوصول الي الفرح الفاره حالت بينه جموع الدم فأنتحب. و... أفاق علي معاطن الحلم الاولي. سرت في جسده الغض الرهبة. هرع الي امه و همس في اذنها. تضرج وجه امه بالحمرة و ثمة فرح مفاجئ. اخته التي تكبره قليلا اغضت حين فهمت مدار همساته... – عايدة! تلامسا. ومض البرق داخله و سرت في دائرة الباذنجان نار مغناطيسية. أيكون السعال الحاد فعل المداورة؟ ... كان يسعل بشدة. يخرج الدم الحار. سمع صوتها آتيا من أعماق بعيدة.
- عايد، هه... أين تذهب؟ ... عايد أحبك.
دارت بذهنه أفعال السينما الجديدة. سخر منها و من نفسه... حمل اليه النسيم رائحة الشواء علي السطوح المجاورة. الكل في هذه الساعة يرقص في المدينة. كانت المدينة نائمة بعين واحدة و فاردة ساقيها للرياح.
- من اين جئت يا عابدة؟ أعبدك... أفاق من الجزع المر. قال الطبيب: الشفاء من هذا المرض محتمل جدا... – عائدة!... ترنح كالثمل ثم اطلق (شارلستونه) للريح. – أيتها المدينة العاهر... فليغسلك الطوفان. حبس نفسه داخله ليراقب الاشياء. رجل آخر داعب القطة التي مرت الي جواره غمز لواحدة تسير قربه فما كان منها الا ان صفعته و مضت لا تلوي علي شئ. نظر الرواد. ضحك بعضهم. البعض الآخر اكتفي بالابتسام. – عائد... أيها البعيد! دوت (الأصوات). كانت تعرف ذلك الالم الهائل. – الطوفان يا عايدة... أحس بمرارة الحلق و سخونة الدم السائل من الجوف. و... غسل الأضواء بناظريه حتي عادت تفتقد الشعاع. – أنت بعض المرض الذي أصابني، كيف الشفاء منك بالله يا عابدة؟ ... خضه السعال. بصق علي المنديل. نظر الي البصاق الاحمر. رأي المنديل و قد تخضب بالدم حتي اختفي اسمها من حاشيته. لابد ان يقرر قبل ان تقرر هي. ذلك أفضل كثيرا بالنسبة لكرامته و شرفه الرفيع. اهتز داخله و تصلب فكه و دارت الدموع. – أستطيع ان أواجه المسألة وحدي حتي تنقضي هذه الايام الواجفة... أعبدك يا عابدة أيتها الحب البكر... رغما عنه وجد الدموع تكتسح خديه و شفتيه فيذوق لها طعما لاذعا و العالم يغسله الطوفان.

__________________

حاشية: ازدواج عابدة، عايدة، عائدة و عابد و عايد هو ازدواج الحبيبة و الوطن... الجزء في الكل و الكل في الجزء
من مجموعة " ايقاعات الساعة صفر" التي صدرت للكاتب من مطابع الطليعة بالكويت عام 1983م

Social Bookmarks