Thursday, May 11, 2006

عايـدة


- ستة و عشرون عاما و لم استرح يوما...
- صه أيها البرجوازي الصغير...
كان الكون يلوك ثدي الأهوال و ينام علي الوهم... تأوه و نظر الي المدينة. بدأت المدينة دائرة مسافرة الي المجهول، تنام بعين واحدة و شفاهها ترتعش. تصطفق الطرقات و تنفتح علي هوة لا قرار لها و... السابلة
أواه يا سابلة المدينة! غمغم و جذب نفسا عميقا من لفافته حتي توهج طرفها. أضواء النيون أمامه تختفي و تظهر بإيقاع مختلف. تضئ و تموت باستمرار. كفأ وجهه علي راحة يده و حدق. برزت من خلال دائرة الضوء.
- أعبدك يا عابدة! نظرت إليه مبتسمة و اقتربت و... عشعشت موسيقي (السامبا) في الاعصاب. عندما سرت الحرارة و توهجت جموع الراقصين انفجرت الي (جاز) ملتهب. أحس بروعة الإلتهاب. بدأت الخرطوم من أسفله طفلة مرصعة بالذهب و اللآلئ. فعلت فيه فعلا ساحرا فأنثني مع الإيقاع الصاخب و... تحولت الصالة الي مأوي للقطط. شعر بالدم الحار...
- أعبدك يا عايدة. سعل... أحس بالخوف المفاجئ يتخذ شكلا و هو يتأبط الرؤيا القديمة. عري جسدها السنديان. جاءت جموع الرياح الحارة. النار تندلع داخله. حين حاول الوصول الي الفرح الفاره حالت بينه جموع الدم فأنتحب. و... أفاق علي معاطن الحلم الاولي. سرت في جسده الغض الرهبة. هرع الي امه و همس في اذنها. تضرج وجه امه بالحمرة و ثمة فرح مفاجئ. اخته التي تكبره قليلا اغضت حين فهمت مدار همساته... – عايدة! تلامسا. ومض البرق داخله و سرت في دائرة الباذنجان نار مغناطيسية. أيكون السعال الحاد فعل المداورة؟ ... كان يسعل بشدة. يخرج الدم الحار. سمع صوتها آتيا من أعماق بعيدة.
- عايد، هه... أين تذهب؟ ... عايد أحبك.
دارت بذهنه أفعال السينما الجديدة. سخر منها و من نفسه... حمل اليه النسيم رائحة الشواء علي السطوح المجاورة. الكل في هذه الساعة يرقص في المدينة. كانت المدينة نائمة بعين واحدة و فاردة ساقيها للرياح.
- من اين جئت يا عابدة؟ أعبدك... أفاق من الجزع المر. قال الطبيب: الشفاء من هذا المرض محتمل جدا... – عائدة!... ترنح كالثمل ثم اطلق (شارلستونه) للريح. – أيتها المدينة العاهر... فليغسلك الطوفان. حبس نفسه داخله ليراقب الاشياء. رجل آخر داعب القطة التي مرت الي جواره غمز لواحدة تسير قربه فما كان منها الا ان صفعته و مضت لا تلوي علي شئ. نظر الرواد. ضحك بعضهم. البعض الآخر اكتفي بالابتسام. – عائد... أيها البعيد! دوت (الأصوات). كانت تعرف ذلك الالم الهائل. – الطوفان يا عايدة... أحس بمرارة الحلق و سخونة الدم السائل من الجوف. و... غسل الأضواء بناظريه حتي عادت تفتقد الشعاع. – أنت بعض المرض الذي أصابني، كيف الشفاء منك بالله يا عابدة؟ ... خضه السعال. بصق علي المنديل. نظر الي البصاق الاحمر. رأي المنديل و قد تخضب بالدم حتي اختفي اسمها من حاشيته. لابد ان يقرر قبل ان تقرر هي. ذلك أفضل كثيرا بالنسبة لكرامته و شرفه الرفيع. اهتز داخله و تصلب فكه و دارت الدموع. – أستطيع ان أواجه المسألة وحدي حتي تنقضي هذه الايام الواجفة... أعبدك يا عابدة أيتها الحب البكر... رغما عنه وجد الدموع تكتسح خديه و شفتيه فيذوق لها طعما لاذعا و العالم يغسله الطوفان.

__________________

حاشية: ازدواج عابدة، عايدة، عائدة و عابد و عايد هو ازدواج الحبيبة و الوطن... الجزء في الكل و الكل في الجزء
من مجموعة " ايقاعات الساعة صفر" التي صدرت للكاتب من مطابع الطليعة بالكويت عام 1983م

No comments:

Post a Comment

Please do not abuse comments. I will delete any abuse and ban the abuser. Be nice and do not post irrelevant content. This is not a just me too blog. Thank YOU.

Social Bookmarks