Sunday, March 19, 2006

ثقـافـــة وجــدان و ذاكــرة


* في الصف الرابع الابتدائي، و كنا بين العاشرة و الحادية عشر من العمر، اعتاد استاذ اللغة العربية، في حصص المكتبة، ان يتحفنا بقراءات من الادب العالمي. في ذلك الوقت تعرفنا علي اوسكار وايلد. و كانت صورة - دوريان جراي – ترسم امامنا آفاقا في العرض او السرد الروائي، بطريقة تلجم ألسنتنا، و تحبس أنفاسنا، فترات و فترات. و كانت تداعيات الاحداث و سردها يتبعنا حتي منازلنا، فنستعيد لذة المتابعة في الطريق، أو في الليالي القمرية، و نحن ننهي أو نستريح بين ألعاب "شليل" و "الفات فات" و "يا كديسة سكي الفأر" و هكذا.

* في تلك السن، و الفضل لأستاذ اللغة العربية ذاك، و حيث لم تكن مثل هذه الروايات ، ضمن المنهج التربوي، في تلك السن تشبعت الذاكرة بحلاوة السرد و الصور، و تداعي الاحداث، و جماليات لغة الترجمة اللبنانية و المصرية، و جماليات الصور، و سلاسة الوصف.
و لم يغب عن بالنا لا "البير كامو" و لا "جوته"، لا "المنفلوطي" و لا "سارتر". و كنا نعجب لذلك الشاب الوسيم الذي اتسمت أعماله بالقبح، حتي ظهرت علي المرآة قبيحة أمامه، فخاف علي صورته، و أراد تحطيم ذلك القبح فقضي علي نفسه.

و كنا نعجب بتلك الصخرة التي – و كنا وقتها معجبين أيضا بأفلام هرقل التي تعرض في السينما – تمثل أسطورة الصعود لوضعها علي قمة الجبل، فتنزلق الي القاع، فيعود البطل ليحملها مجددا الي القمة و هكذا.

* و كنا نعجب بـ – لقيطة - و بتلك – الفضيلة – التي كانت تجعل دموعنا تسيل مدرارا في حضرة أستاذ اللغة العربية، و الذي كان بدوره ينبهر في قراءته حتي لنكاد نري دموعه تقفز بغتة.

* و هكذا علقت بأذهاننا تداعيات و صور وسلاسة و بناء نفسي للشخصيات، حتي بدأ بعضنا يجرب الكتابة علي هذا النحو، و يستزيد من القراءات الخاصة، و ينوعها بالروايات العالمية و سلسلة - أولادنا – و ارسين لوبين و شرلوك هولمز، حتي استقام لنا بناء معرفي و لغوي، زادته الايام لأكثرنا منعة منذ ذلك الوقت، مما جعلنا نتنافس في القراءة و التأليف و الكتابة و النقاش، حتي وجدنا بعد قليل من الوقت ألقابا يطلقها علينا أستاذ اللغة العربية، فهذا "هتلر" و ذلك "السفسطائي" و ذاك "برنارد" أو "جورج" و هكذا....

* و بعد سنة تماما كان بيننا من يكتب أفضل قصة قصيرة، من مجموعة أندادنا في ذلك العمر. و كان بيننا من تم ترشيحه من جانب أستاذ اللغة العربية ذاك، ليكون كاتبا موسوما بحلاوة اللغة، و توالد الافكار و تداعيها، و منطق الترابط العضوي بين سلاسة الفكرة و سلاسة لغتها. و لم يخب ترشيح أو ظن الأستاذ.

* لبناء لغة و ثقافة نموذجية، يكون مفيدا اتخاذ هذا المنهج – القراءة و الاستماع و المكتبة – مبكرا في مرحلة الدراسة الاولي هنا، رغم انه في ذلك الزمن القديم، و هناك عبر الحدود، لم يكن ذلك ضمن المنهج، انما كان اجتهادا فرديا من أستاذ لغة عربية، بني به مستقبلا أدبيا جيدا لبعضنا. و هنا يمكن الاستفادة من هذه التجربة في المراحل الاولي من المدرسة، لبناء وجدان و ذاكرة بثقافة وطنية و ثقافة عالمية مختارة، تختار من عيون الادب العالمي، و تبني لنا شخصية سوية غير معرضة للانفصام و التلوث، و تبقي متينة علي مر الاجيال.
__________________________

Notes:
This article is from the Eritrean Youth Organization’s newspaper. It’s the Eritrean National Union of Youth and Students. On my weekly column on the Youth’ newspaper I wrote critics, and recommended using this educational system. It’s about fundamental educational reforms, fundamental languages, culture and art education.
How to talk? How to write? How to story telling? How to grow imagination and imaginary writing projects?
Jean Paul Sartre. Johann Wolfgang von Goethe. Albert Camus. Oscar Wilde. Mustafa Lutfi Al-Manfalouti. – The Picture of Dorian Gray. Novelist. Poet. Dramatist. Humanist. Philosopher.

No comments:

Post a Comment

Please do not abuse comments. I will delete any abuse and ban the abuser. Be nice and do not post irrelevant content. This is not a just me too blog. Thank YOU.

Social Bookmarks