Saturday, November 26, 2005

العلاقة "الوشيجة" بين القصيدة و- القاصد- و- المقصود


ماذا تقول القصيدة اذا كان شاعرها "ملتهبا"؟ بل ماذا تقول اذا كانت تبرز التناقض الحاد بين الواقع والحلم؟ بين المألوف واللا مألوف؟

يقول طراد الكبيسي في تقديمه للاعمال الشعرية للشاعر العراقي سعدي يوسف "ان الشاعر يعكس بحساسية عالية ازمات العصر والانسان المعاصر في محاولة للتأثير فيهما: الانسان والعصر بطرق متعددة"
حتي هنا نعتبر هذه المسألة الموجزة بكلمة "يعكس" فقط ناقصة. و يستطرد الكبيسي: "بطرق متعددة اهمها ابراز التناقض بين الواقع والحلم، وبين المألوف واللا مألوف"
هل يكون هذا اتناقض الحاد بين ما يراه الناقد هو تمام فعل القصيدة؟ و نعني القصيدة التي نريدها ان تكون "الفاعل المفعول" في هذا الوجود، بحكم الارتباط بين الكائن الحي المفكر بوسائل التغيير، وباعتبار ان القصيدة تقع ضمن هذه الوسائل
وهل بعد هذا نكون منصفين اذا قلنا ان سعدي يوسف او غيره من الشعراء "يعكس" ازمات العصر؟ "يعكس" فقط وكأنه المرآة؟

لاريب ان تساؤلاتي تنبثق بفعل ما نراه في الشعر المطروح هنا وهناك في صحافتنا المحلية والعربية بينما ما زالت الاسماء الثابتة في الشعر هي الاسماء نفسها: البياتي، يوسف، عبد الصبور، ادونيس…الخ – فما من شاعر جديد طرق هذا الباب الا….رحمه الله. فلم يأتنا حتي الآن شاعر "يشعلل" الاجواء ويختطف ألسنة النقاد والصحافة ويؤكد لنا قدرتنا علي الانبعاث من جديد

ما الذي يقتل الابداع؟

وان جاءنا شاعر فيه هذه البوادر فاننا لا نلبث ولكراهيتنا الشديدة لأن يكون - "فينا رجل منا قريب
ينتقي من فائض الحلم الاعاجيب
لا نلبث ان نقتله بأساليب شتي او نجعله يجتر ما نجتره في مطحنة الحياة اليومية، ثم نفتح المجال للذين يشبهوننا في المعاناة والولادة والذين لا يمكن ان يتقدموا علينا بخطوة
و.. ايضا، تنبثق تساؤلاتي السالفة بحكم ان الشعر الذي يريده لفيف منا يقوم علي منهجية اخلاقية – ليست متوارثة كجانب احادي بل ناتجة عن تفاعل الموروث بارتطاماتنا بمختلف الجوانب الاخلاقية في الحياة

منهجية اخلاقية تعتمد الانتاجية الاخلاقية التي تشمل مختلف علاقات الانتاج – في فعل التكاتف او التناحر حول وسائل الانتاج – والمؤدية بالضرورة الي الابداعية الاخلاقية

لاريب اننا نحس بالتقصير حيث نعبر عن كل هذه الرموز والامور باستخدام هذا الفعل المضارع المكتفي بالدلالة الواحدة، الذي لا يحتمل وجودا اخر، ولا يحتمل القيام بحركة اخري غير "الانعكاس

التناقض بين الواقع والحلم

ان التناقض الحاد بين الواقع والحلم، بين المألوف واللا مألوف لا يشكل قصيدة. اذ يكون هذا التناقض بين ما ذكر – بالذات – عاديا لا غرابة فيه..لا مفاجأة.. لا مأساة.. ولا احساس بدهشة

مرة اخري يستخدم القائل كلمة لا تخرج عن اطار المعني الواحد الذي لا يقبل معنا اضافيا او معني تكييفيا "يكييف" التناقض
ونضيف ان التناقض بين الواقع والحلم لا يرقي لان يكون علاقات "شاعرية" بينهما ما لم يكن صراعا يعتمل في النفس الانسانية الشاعرة، وما لم يكن الحلم "الواقع" غير الموجود او غير الممكن او الذي نسعي اليه، هو الواقع الذي يحياه الشعراء باعتباره "الحقيقة" الرائدة لسلوكياتهم الحياتية والقصائدية سواء بفرضه بطريقة الشعر الملتحم بلبنة الجماهير الوجدانية – وهذه اللبنة مهمة جدا لان احداث التغيير يتم من خلالها – او بتذويب العناصر التي تخلق الواقع المتحلل، الساذج، والمحارب من قبيل فرسان شعر اخرين يحلمون بالثبات في هذه المعمعة حتي تذوب خصوصية الصفويين التقليديين المنصبين علي عروش الشعر "المفكر"… وكل القائلين بأن اعمال الفكر النقدي في الشعر يقتله

الشعر من هنا يكتسب علاقة تعليمية هي تربوية في مقامها الاول يفهم منها ان الواقع ايضا هو خلاصة "اللا وعي" الجماعي الذي نعيشه الآن في مجموع العلاقات لكنه لم يرق بعد الي المستوي المطلوب – لأن المطلوب يتجدد في كل زمان – ولابد ان يكون هو الجامع الانسيابي الذي يؤدي الي فهم الملكوت وعلاقاته وتطوير العلاقة معه

هذا الفهم الغائب وهذا التطوير الغائب هما اغراض "الحلم" الذي كان ينبغي ان يكون هو "الواقع" بحكم ان العمل بمختلف مستوياته ومنها "الفن" يؤدي بالسلب او الايجاب الي الاحساس بيد الخالق الاكبر، ويزيل الستار الكثيف من الضبابية الواقعة كالقطيعة الشيطانية بين الخالق والمخلوق

ديالكتيك هيجلي
ان اساسيات مثل هذا الفن تنبع من الصراع بين سلوكيات مختلفة عادية وغير مقنعة و متخلفة، وبين سلوكيات مثلي تعترض تقدمها افتراضات معينة تسود العقلية الانسانية، قد تكون اعرافا او معتقدات او تقاليد اجتماعية تعتور المجتمع الانساني حسب تنوعه ومختلف ظروفه وتؤدي هذه الاساسيات الي فهم العلاقة بين "الواقع" و"الحلم"، والمألوف واللا مألوف

العملية ليست عملية استعادة لمدن الانسان الاولي بكل ما يعتور "المدينة" من خصائص، وليست "يوتوبيا" لان المدن ليست قديمة و لا ينبغي لها. انما هي مدن متجددة، متطورة يوميا و علي اساس هذا التطور ينبغي ان تطور الرؤيا الانسانية و ان يطور تجاذبها بين المجموع الانساني علي اساس ان يسري هذا التطور في البنيان المادي للاشياء في البنيان الروحي والمعتقدي للانسان

جريدة الأنباء الكويتية – الانباء الثقافية – 4 اغسطس 1985م

Notes:
Kuwaiti newspapers - Al-Anbaa newspaper – Utopia philosophy – Poetry – Arabic poetry – Critique - Arabic culture – Arabic Poets – Arabic Critique - Utopia – Spiritual structure – Physical Structure – Critique structure – Poetry structure - Dialect - Dialectic.

خــــالد محــــمد عثمــــان

ezine-act-politics-business-and-love.com

No comments:

Post a Comment

Please do not abuse comments. I will delete any abuse and ban the abuser. Be nice and do not post irrelevant content. This is not a just me too blog. Thank YOU.

Social Bookmarks